عبد الرحمن الداخل

في زمن سقوط دولة بني أمية في المشرق ، قتل العباسيون كل من كان مؤهلا من الأمويين لتولي الخلافة فقتلوا الأمراء وأبناء الأمراء وأبناء أبناء الأمراء (( الأحفاد)) إلا قلة لم تصل إليهم سيوفهم.




من هؤلاء الذين لم تصل إليهم سيوف بني العباس عبد الرحمن بن معاوية حفيد هشام بن عبد الملك.

فقد نشأ عبد الرحمن في بيت الخلافة الأموي . ولما بلغ ريعان شبابه انقلب العباسيون على الأمويين . وأعملوا فيهم السيف حتى لايفكر في الخلافة أحد منهم.

هرب عبد الرحمن بن معاوية من مستقره في قرية دير خنان في قضاء قنسرين بالشام إلى بعض القرى في العراق ناخية الفرات . ولكن المطاردة العباسية – بما جندته من مكافأت وعيون- بلغته في مكانه وعندما علم أنه مطلوب .أخذ عبد الرحمن بن معاوية أخاه هشام وأخذ مامعه من نقود وترك النساء والأطفال . لأنه يعلم أنهم لم يمسوهم بسوء.

وعند وصولهم إلى نهر الفرات أدركتهم خيول العباسيين فألقيا بأنفسهما فيه ومن بعيد ناداهما العباسيون : أن ارجعا ولكما الأمان وأقسموا على هذا. إلا أن هشاما لم يقوى على السباحة وأثر فيه نداء العباسيين وأمانهم ، فأراد أن يعود لكن أخاه عبد الرحمن ناداه : يستحثه ألايعود وعند عودته إلى العباسيين قاموا بقتله فورا . فعبر عبد الرحمن النهر وهو حزين على أخاه الصغير صاحب الثلاثة عشر ربيعا ثم اتجه إلى المغرب لأن أمه كانت من إحدى قبائل (( الأمازيغ)) فهرب إلى أخواله هناك.

في قصة طويلة وعجيبة عبر فيها الشام ومصر وليبيا والقيروان . وصل عبد الرحمن إلى برقة ( في ليبيا) وظل مختبأ خمس سنين . ثم خرج إلى القيروان ومنها إلى تادلا حتى مضارب قبيلة نغزة بالمغرب الأقصى . ولم تكن هذه الأرض أمنة إذ كانت مليئة بالخوارج الذين يكرهون الأمويين فقد كان على شفا جرف هار .

فلم يكن أمامه إلا الأندلس فعبد الرحمن مطلوب الرأس في أي قطر من بلاد المسلمين .




عبد الرحمن ودخوله الأندلس :

أخيرا في سنة ١٣٦ هجري بدأ عبد الرحمن يعد العدة لدخول الأندلس فأرسل مولاه بدرا إلى الأندلس . لدراسة الموقف، فقد كانت منقسمة إلى قسمين ( اليمنية- والقيسية)

والحقيقة أن بدرا مولى عبد الرحمن بن معاوية من أكثر الشخصيات المؤثرة في حياة عبد الرحمن الداخل. وله دور عظيم من لحظة هروبه من الشام حتى وصوله إلى الأندلس.

ومنذ وصول عبد الرحمن إلى الأندلس بدأ بجمع الناس حوله وعلى رأسهم اليمنيين. وبعد موقعة المصارة ودخوله قرطبة لقب بالداخل لأنه أول من دخل من بني أميو حاكما.

وبعد ذلك بدأ ينظم أمور الأندلس وكانت مليئة بالثورات ورث بعضها، وبعضها الأخر ثار عليه، وبصبر شديد وأناة عجيبة أخذ يروض هذه الثورات فاستمال من استطاع من الثائرين وحارب البقية، ففي فترة حكمه التي امتدت أربعة وثلاثين عاما قامت عليه خمس وعشرين ثورة، وهو يقمعها بنجاح عجيب الواحدة تلو الأخرى .

ولولا عبد الرحمن لانتهى الإسلام بالأندلس بالكلية، هذا ماقاله المؤرخون عن عبد الرحمن . والعجيب أن عمره لم يتجاوز الخامسة والعشرين فأي قائد عظيم وفذ كان ؟

كذلك كانت شخصية تشخص الأبصار وتبهر العقول، فمع رجاحة عقله وسعة علمه كان لايتفرد برأيه. فإذا اجتمعت الشورى على رأي كان نافذ العزم في تطبيقه . ومع هيبته عند أعدائه وأوليائه إلا أنه كان يتبسط مع الرعية ، ويعود مرضاهم ، ويشهد جنائزهم ، ويصلي بهم ومعهم ، ومع كونه شديد الحذر قليل الطمأنينة . لم يمنعه ذلك من معاملة الناس والاختلاط بهم دون حراس ، ونستطيع أن نفهم شخصيته حين نعلم كيف كان يعامل الناس، فقد جاء أحد الناس فطلب منه حاجة أمام أعين الحاضرين فقضاها له . ثم قال له:(( إذا ألم بك خطب أو حزبك أمر فارفعه إلينا في رقعة . لاتعدوك كيما نستر عليك خلتك. ونكف شمات العدو عنك ، بعد رفعك لها إلى مالكك ومالكنا- عز وجهه- بإخلاص الدعاء وصدق النية ))

لقد كانت حياة القائد العظيم عبد الرحمن الداخل وقفا على الجهاد ، وإقامة الدولة الإسلامية ، وتثبيت بنيانها، وإرساء دعائمها، ورد الطامعين فيها ، فكانت الأيام التي عاشها الأمير في طمأنينة وراحة لاتزيد على أيام قليلة، وكانت حياته حركة مستمرة في تنظيم الجيوش، وعقد الرايات ، وتوجيه القوات، وتحصين الثغور ، والقضاء على الفتن والثورات، ووضع أسس البنيان الحضاري .




وفاته:

عاش عبد الرحمن الداخل تسعا وخمسين سنة ، منها تسع عشر سنة في دمشق والعراق قبل سقوط دولة الأمويين . وست سنوات فرارا من بني العباس وتخطيطا لدخول الأندلس . وأربع وثلاثون سنة في الملك ببلاد الأندلس وتوفي بقرطبة ودفن بها في جمادى الأولى سنة ١٧٢ هجري.

أقرأ المزيد :

القائد الأمازيغي المسلم الاسطورة مرعب اوروبا

امرأة تسرق ألماسات بملايين الدولارات.. كيف خدعت التاجر؟